أزمة نفسية أم أزمة أخلاق؟!
الأخلاق و الصحة النفسيـــــــة
تعتبر الصحة
النفسية مستوى الرفاهية النفسية أو العقل
الخالي من الاضطرابات "وهي الحالة النفسية للشخص الذي يتمتع بمستوى عاطفي
وسلوكي جيد.
"صحتك لا
تقدر بثمن، فلا تسترخصها بالقلق والخوف والغضب، واعلم أنك المسيطر، ولا تقل لا
أستطيع فإنّ قلتها تحقق ما كنت تخشاه"
عادة ما تردني
شكاوى عن حالات لمرضى مقيمين في المشفى تتحدث عن حالات عصبية و ايذاء لفظي و قد
تصل الى حد الايذاء الجسدي، و تربط تلك الحالات بوصم " مريضة نفسيا "!
توقف من فضلك عزيزي القارئ لقشور الحالات يوجد فرق شاسع
بين الحالات النفسية التي تظهر أعراضها و بين أزمة أخلاق و تربية ترجع للتنشئة
الاجتماعية التي تربى عليها الفرد سواء داخل أسرته أو محيطه الاجتماعي، الذي يخرج
أفراد يعانون من اعاقة في التواصل مع الآخر بأدب.
هنا استوقفني
بيت شعري لأحمد شوقي يقول:
إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَت* ْفَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
تكلم الدكتور
هاشم عبد الله الصالح في مقاله:"الأمراض النفسية وسوء الأخلاق " أنه من
المهم أن نعرف أن للأمراض النفسية كما هو للأمراض البدنية أعراضا، ولعل من أهم هذه
الأعراض هي الأخلاق السيئة، فمعظم الأخلاق السيئة تعبر عن مرض أصحابها، وبالتالي
علينا أولا أن نحمي أنفسنا من أن نتأثر بسلوك هؤلاء المرضى وألا نصدق ما يقولونه
عنا من أقاويل واتهامات، علينا أن نصد هذه الطاقة السلبية التي تنبعث من هذا
المريض من خلال سلوكه السيئ.
و لعل من أبرز
الظواهر التي لابد من الوقوف عليها هي تربية الأبناء داخل الأسرة على اسس الصحة
النفسية التي توازن بين الدين و النفس البشرية، الأسرة البيئة الأوليَّة للطفل
وأكثرها تأثيراً عليه في المستقبل؛ حيثُ اتّفق العلماء على أنّ السنوات الخمسة
الأولى من حياة الطفل هي الأساس المُكوّن لشخصيته واتجاهاته وأنماطه السلوكية
والتي ستستمرّ معه في مراحله العمرية المتقدمة.
حيث تتأثّر الصحة النفسية عند الأفراد منذُ بداية نموّهم
الجسمي والنفسي والاجتماعي بالعديد من العوامل البيئيّة الخارجية أو النفسية
الداخلية.
هناك الكثير
والكثير من الدراسات التي تؤكد أن الإنسان الذي يتعامل بقسوة مع أهله وأبنائه
والآخرين هو بسبب أنه هو نفسه كان ضحية لمعاملة قاسية في الصغر، وبما أن الأثر
النفسي لهذه المعاملة لم يعالج في حينها انقلب هذا الأثر إلى مرض نفسي أنتج هذه
القسوة والأخلاق السيئة.
يرتبط مفهوم الأخلاق بمدى صحة الفرد نفسيا، فنجد الكاتب سعودي قد كتب في مقاله :" تأثير الأخلاق على الصحة النفسيـــــــة" ، مجلة البدر
Volume 3, Numéro 4, Pages 111-115
"أصبحت علاقة الدين والتدين بعلم النفس من المسلمات المتعارف عليها ،
ولعل ابرز مجالات تلاقي علم النفس بالدين هو علم الصحة النفسية ، فنجد من الدراسات
الغربية الأولى التي تناولت علاقة الدين بالصحة النفسية دراسات " وليم جيمس
" و " فروم " وغيرها من الدراسات الكثيرة التي لا تزال مستمرة إلى
حد ألان ، وعلى الرغم من كثرت هذه البحوث إلا أنها في الغالب تفتقر إلى النظرة
الصحيحة للدين والتدين ، وبعكس علماء الغرب نجد اهتمام كبير عند دراسة علاقة
التدين بالصحة النفسية لدى علماء النفس المسلمين ، فنجد على سبيل الذكر لا الحصر
دراسة "الصنيع" و "مدني" و "المغامسي" وغيرهم كثر ،
وكل هذه البحوث والدراسات تناولت جانب من جوانب التدين وتأثيره على الصحة النفسية
سواء بالبحث الميداني أو بالمسح النظري ، وعلى الرغم من كل هذه الدراسات التي تعنى
بمعرفة العلاقة بين مستوى تدين الأفراد وصحتهم النفسية تبقى هناك جوانب عديدة في
هذا المجال لا يزال يكتنفها الغموض وتحتاج إلى المزيد من الدراسة والتقصي ومن
بينها تأثير الأخلاق كمظهر من مظاهر التدين على الصحة النفسية."
الأمر الملفت أن
العلاقة وثيقة جدا بين علم النفس و الأخلاق حيث يتصل علم النفس بالأخلاق اتصالا
أساسيًا، فالأخلاق معرفة وسلوك، وعلم النفس هو ما
يطلق عليه علم السلوك.
تدفعنا كل هذه
التقسيمات الى البحث عن علاقة الأخلاق بعلم النفس الذي أوجد تخصصا قائما بذاته الا
وهو علم النفس الأخلاقي !
بدأ علم النفس
الأخلاقي مع الفلاسفة الأوائل مثل أرسطو وأفلاطون وسقراط، فقد اعتقدوا أن «معرفة
الخير هي عمل الخير» ، وحللوا الطرق التي يتخذ بها الناس قراراتهم فيما يتعلق
بالهوية الأخلاقية، ترجع الدراسات التجريبية عن الحكم الأخلاقي إلى ما لا يقل عن
1890 مع عمل فرانك تشابمان شارب تزامنًا مع تطور علم النفس كعلم منظم منفصل عن
الفلسفة. منذ 1894 على الأقل، حاول
الفلاسفة وعلماء النفس أن يقيموا عمليًا أخلاقية الفرد، وحاولوا خصوصًا أن يميزوا
الأطفال عن البالغين فيما يتعلق بأحكامهم، لكن هذه المحاولات فشلت لأنهم «حاولوا
تحديد كمية الأخلاق الموجودة لدى الفرد –وهي فكرة
مثيرة للجدل بشكل ملحوظ– بدلًا من فهم التمثيل
النفسي للأخلاق لدى الفرد»
و منه فإن الصحة
النفسية وفقاً لمنظمة الصحة العالمية تعني الحياة التي تتضمن الرفاهية والاستقلال
والجدارة والكفاءة الذاتية بين الأجيال وإمكانات الفرد الفكرية والعاطفية.
كما أن منظمة
الصحة العالمية نصت على أن رفاهية الفرد تشمل القدرة على إدراك قدراتهم والتعامل
مع ضغوط الحياة العادية والإنتاج ومساعدة المجتمع.
و عليه فإن
خلاصة ما سبق تكمن في المعرفة الحقة للعلاقة بين الأخلاق و الصحة النفسية للأفراد
، حيث ثبت عدم تعارضهما مع بعضهما البعض ، لكن الذي يتعارض مع الصحة النفسية هو
الازدواجية في القيم ، و انفصام حياة الانسان الى شطرين : شطر علني و شطر سري خفي
.
_المقال من اعداد المختصة النفسانية: جويرية بريطل.
المراجع :
_كاتب سعودي ، " تأثير الأخلاق على الصحة
النفسيـــــــة" ، مجلة البدر
Volume 3, Numéro 4, Pages 111-115
_ د .
هاشم عبد الله الصالح ، "الأمراض النفسية وسوء الأخلاق "، جريدة
العرب الاقتصادية الدولية.
_دراسات في الاخلاق و علم النفس