أخر الاخبار

الإجترار النفسي



بالاجترار





ما المقصود بالاجترار؟
==============
رأت ألسون بيكيل Alison Bickell (2019) أن الاجترار وصف يطلق على الشخص الذي يقوم بترديد وتكرار التفكير السلبي في:
(1) إخفاقاته المدركة في الماضي.
(2) جوانب القصور ومظاهر الضعف في تكوينه.
(3) أخطاؤه وحماقاته السلوكية المتصورة أو المدركة.
(4) الأحداث والظروف السيئة في حياته.
دون قدرة منه على التوقف عن هذا النمط من التفكير، وبدون التوجه لوصفه وتفسيره والبحث عن حلول له على الرغم من كل المعاناة والتعاسة والكرب المرتبط به، وعندما يمارس الشخص الاجترار بهذا المعنى فإنه لا يتوقف عن التفكير في أسباب وتداعيات وأعراض حالته المزاجية السلبية، ويتضمن مخطط التفكير الاجتراري عبارات وأفكار سلبية تسيطر على عقل الشخص ولا تفارقه وتطرأ على حالة وعيه دون إرادة منه مثل "أنا شخص معتوه أو أبله، لماذا لم أتكلم؟"، "لا يوجد في حياتي ما يمكن أن يفتخر به، إنها تجربة للمأساة".
ويجدر الإشارة إلى أنّ النساء أكثر ميلاً للاجترار مقارنة بالرجال، وقد تميل النساء بصورة عامة إلى الاجترار كأحد أساليب المواجهة أو التوافق، فالنسبة للنساء اللواتي تخبرن حالات مزاجية سلبية، نجدهن في حالة من الإقامة الجبرية في حالاتهم المزاجية السلبية، وعدم التوقف في التفكير عن أسبابها، وتأثيراتها على حياتهن، الأمر الذي قد يفاقم المزاج الاكتئابي لديهن، على الجانب الآخر فإن الرجال أكثر توجهًا للاندماج في أنشطة تلهيهم أو تبعدهم وتشتت انتباههم علن مشاعرهم السلبية الأمر الذي يمكن معه أن تختفي أعراض المزاج الاكتئابي لديهم. …
الاجترار الإيجابي Positive rumination:
=========================
يشير الاجترار الإيجابي إلى تماوج الشخص غرقًا إن صح القول في تذكر وترديد وتدوير الأفكار المتعلقة بحالته الوجدانية الإيجابية ابتهاجًا وفرحًا بها وتفكيرًا في محدداتها وعوامل تخليقها والظروف المصاحبة لها وتأثيراتها ولواحقها، وتمنيًا لتخليقها في المستقبل، ويمثل الاجترار الإيجابي حالة استدامة احتفاء الشخص بنجاحاته ومنجزاته السابقة في الحياة واستحضارها على الدوام في بؤرة وعيه لا توقفًا عندها أو تيهًا وافتخارًا بها بل رغبة في إعادة إنتاجها باستلهام العوامل التي أدت إلى نجاحه وتعميقها في بنيته النفسية، الأمر الذي يرتبط بتنشيط انفعالات إيجابية نحو الذات تتمثل في انفعال الاعتزاز بالذات.
ويمثل الاجترار الإيجابي بهذا المعنى الصورة المناقضة للاجترار السلبي negative rumination الذي يستجيب به الشخص لحالاته المزاجية السلبية بتركيز تام وتكرار بائس للأفكار السلبية المرتكزة في الغالب على إدانة الذات ولومها وعدم التوقف عن جلدها وإهانتها، الأمر الذي يخلق انفعالات سلبية نحو الذات تتمثل على وجه التحديد في انفعالات الخزي من الذات، والشعور بالذنب، والشعور بالغضب والاستياء من الذات.
تفهم أهمية الاجترار في ضوء التباين بين نتائج الدراسات التي تستخدم المعالجات التجريبية لتخليق الاجترار أو الحث عليه، والدراسات التي تستهدف قياس الفروق الفردية في الاجترار باستخدام الاستبيانات.
ومع ذلك فإن تفسير البيانات الناتجة عن استخدام الاستبيانات في القياس قد يكون أمرًا متعذر وبالغ الصعوبة، لأنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستبيانات تقيس بالفعل نفس "التكوين أو نفس المفهوم" (Nolen-Hoeksema et al., 1994; Roger & Jamieson, 1988; Scott & McIntosh, 1999).
فقد توصل سكوت وماكينتوش (1999) إلى وجود ثلاثة عوامل متعامدة للاجترار تتعلق ب: الدافعية motivation، التشتيت أو الإلهاء distraction، والانفعالية emotionality (Scott & McIntosh, 1999).
في حين توصلت دراسة باجدي وباركر (2001) والتي استخدمت تكنيك التحليل العاملي التوكيدي إلى أن مقياس سوزان نولين ـ هيوكسيما لأسلوب الاستجابة الاجترارية ruminative response style scale أحادي البعد يتكون بالفعل من عاملين مرتبطين بصورة بسيطة هما: الاجترار المرتكز على العرض symptom-focused rumination (مثل: التفكير في الانفعالات السلبية)، والاجترار المرتكز على الذات self-focused rumination (مثل: التفكير المتعلق بلماذا أشعر أنا بالذات بهذه الانفعالات السلبية)، وتوصلت نتائج دراسة باجدي وباركر (2001) أنّ "الاجترار المرتكز على الذات أو الموجه نحو الذات self-focused rumination العامل الأساس في التنبؤ بسمات الشخصية القلقة والشخصية الاكتئابية، وليس الاجترار المرتكز على العرض (Bagby & Parker, 2001).
(3) التداخل مع التكوينات "المفاهيم" النفسية الأخرى:
=============================
تميل مقاييس الاجترار إلى الارتباط مع تكوينات أو مفاهيم نفسية أخرى مثل: القلق المفعم بالحذر والانشغال worry (Papageorgiou & Wells, 1999 a,b)، وبالفعل يرتبط الاجترار بصورة مثبتة إمبيريقيًا بالقلق المفعم بالكدر والانشغال السلبي والحذر worry (Segerstrom, Tsao, Alden & Craske, 2000).
من جانب آخر يتداخل مفهوم "الاجترار" ببعد "العُصابية neuroticism" ضمن أبعاد الشخصية (Bagby & Parker, 2001; Roberts, Gilboa & Gilbert, 1988)، ومن المفاهيم أو التكوينات النفسية الأخرى التي يرتبط بها الاجترار "أسلوب المواجهة القائم على الانفعال emotion-focused coping"
بما يتضمنه من نقد ولوم شديد للذات بسبب المشكلات self-criticism & Self-blaming، و"الانتباه الموجه للذات self-focus of attention"، بما يتضمنه من انتباه انتقائي شديد للمعارف المرتبطة بالذات self-referent cognitions والتي تشير إلى قصور الذات ولا جدارتها، فضلاً عن ما وراء المعرفة metacognition بما تشي به من اعتقاد الشخص بأهمية تركيز انتباهه على أفكاره الذاتية.
(4) ميكانيزمات تأثيرات الاجترار:
==================
من الجوانب الهامة في تناول الاجترار وصفًا وتفسيرًا تعيين ما يعرف بمكيانزمات أو آليات معالجة المعلومات information-processing mechanisms التي تثير وتثبت وتغذي النشاط الاجتراري وتعمل على استدامته.
ويوجد على الأقل فكرتين متعارضتين إلى حد ما في هذا الصدد يسودان في أدبيات المجال، تدور الفكرة الأولى حول اعتبار أن "الاجترار" تجسيد لنوبة طويلة من "تدوير وتكرار الأفكار التي لا تتعلق أو لا تخدم هدف أو غرض شعوري واضح"، وعلى ذلك فالاجترار وفقًا لهذه الفكرة عملية آلية غير إرادية ولا نية شعورية من قبل الشخص وراءها على الرغم من أنه أي "الاجترار" يتطلب قدرة انتباهية واصطدام بالوعي أو الشعور consciousness (Uleman, 1989.
وبناء على هذه الفكرة صاغ سيجل (1999) نموذج ارتباطي connectionist model لهذا النمط، رأى فيه أن الاجترار بهذا التصور يعزز من خلال ارتباطات التغذية الراجعة بين "الملامح الوجدانية والملامح غير الوجدانية (Siegle, 1999).
من جانب آخر تتمثل الفكرة الثانية في اعتبار "الاجترار" استجابة لهدف محبط goal frustration، يستهدف البحث عن مسار بديل للهدف لكن بدون تفكير في الوسائل الفعلية للارتياد هذا المسار (Martin & Tesser, 1989).
إضافة إلى ما سبق فإن خصائص الاجترار ربما تتغير مع الزمن، فقد أشار (Segerstrom et al., 2000) إلى أن الاجترار قد ينشط في البداية كاستراتيجية (أي يتوافر فيه عنصر الضبط)، ثم سرعان ما يتحول إلى ممارسة آلية أو أتوماتيكيm>
* ملحوظة: هذه المقالة من طرف د محمد السعيد أبو حلاوة

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-