الوحدة النفسية |
§
مفهوم الوحدة النفسية:
يعرفها ويس Weiss
(1974)
بأنها "حالة عجز تحدث نتيجة إحساس الفرد بافتقاد
ارتباط عاطفي يربطه بالآخرين؛ حيث يمكن لمثل هذا
الارتباط أن يحمى الفرد من الإحساس بالعزلة الاجتماعية والعاطفية خلال" (فى:
زكيه غنى مرزوق الصراف، 1986، 13-18).
ويعرفها إبراهيم
قشقوش(1979، 18) بأنها "إحساس
الفرد بوجود فجوة نفسية تباعد بينه وبين أشخاص وموضوعات مجاله النفسي إلى درجة يشعر فيها
بافتقاد التقبل والتواد والحب من جانب الأخر؛
بحيث يترتب على ذلك حرمان الفرد من أهلية الانخراط في علاقات مثمرة ومشبعة مع أي من
أشخاص وموضوعات الوسط الذي يعيش فيه ويمارس دوره من خلاله".
ويعرفها روك ٌRook
(1984، 1389) بأنها "حالة مستمرة من المعاناة العاطفية، تظهر عندما
يشعر الفرد بأنه غريب أو غير مفهوم أو مرفوض من الآخرين، أو يفقد الأنماط
الاجتماعية للأنشطة المطلوبة والمرغوب فيها، خاصة تلك الأنشطة التي تمده بالإحساس
بالتكامل الاجتماعي وإتاحة الفرصة لإقامة علاقات عاطفية حميمة".
وتعرف جينى دوجونج – جيرفيلJenny
dejong – Gierveld (1987، 119) الوحدة
النفسية بأنها "حالة تكون فيها الخبرات الذاتية بغيضة أو مثبطة، وتفتقر إلى
العلاقات التشخيصية، سواء بصورتها الكمية أو الكيفية".
ويتفق هذا التعريف مع تعريف على خضر وأخر
(1988، 121) حيث عرفا الوحدة النفسية بأنها "حالة تنتج في وجو ثغرة
بين العلاقات الواقعية للفرد وبين ما يتطلع إليه هذا الفرد من علاقات".
ويعرف على السيد
سليمان(1989، 16) الوحدة النفسية
بأنها "المعاناة أو الاضطراب الذي يحدث للفرد في علاقته مع الآخرين، وهذه
المعاناة تكون مصحوبة بتباين بين الذات المثالية Ideal
والذات الواقعية Real في
علاقته الاجتماعية".
كما تعرفها كريمان
عويضه منشار (1993، 44) بأنها
"خبرة غير سارة لدرجة كبيرة مرتبطة بإبراز غير كاف للحاجة إلى الألفة
الإنسانية المتبادلة".
ويعرفها أبو بكر محمد مرسى (1999، 358) بأنها الخبرة الغيرة سارة التي تضطرب فيها
العلاقة بين الواقع وعالم الذات، وتنبئ عن عجز في المهارات الاجتماعية وفى شبكة
العلاقات، وقد يصاحبها أعراض نفسية جسيمة،
ومشكلات تدور حول نقص الأصدقاء، والدفء في العلاقات ومن ثم افتقاد
الرابطة الوجدانية مع الوسط المحيط، مما يؤثر على الأداء النفسي والتوافق العام
للفرد.
ويعرفها محمد الشبراوى الانور( 2001، 126 ) بأنها خبرة مؤلمة يعيشها
الفرد نتيجة لفقدان الحب والاهتمام من الآخرين ويظهر عند تقييمه لعلاقاته بهم،
خاصة وقت الحاجة إليهم.
ويعرفها ببلووبير لمان Peplau & Perlmon بأنها غياب
العلاقات الاجتماعية المشبعة للحاجات النفسية والاجتماعية للفرد واقتران ذلك ببعض الأعراض
النفيسة (فى: عماد محمد إبراهيم، 2003، 78).
ويعرفها جمال تفاحة السيد (2005
،130) بأنها إحساس الفرد بعدم التقبل من المحيطين به وافتقاد الحب والود والمساندة
من جانبهم، الأمر الذي يترتب عليه الشعور بالتوتر والرغبة في العزلة والانطواء
وقطع العلاقات الاجتماعية معهم.
ويمكن تعريف الوحدة النفسية إجرائيا بأنها خبرة شخصية غير سارة
تتضمن الشعور بالوحدة والاغتراب والافتقاد المؤلم لطرف أخر والشعور بالحرمان
لاختفاء العلاقات الاجتماعية وتقاس بمجموع الدرجات التي يحصل عليها الفرد بعد إجابته
علي فقرات المقياس المستخدم في الدراسة.
§
أنواع الوحدة النفسية:
هناك اختلافًا كبيرًا حول أنواع الوحدة النفسية وأشكالها، ويرجع ذلك إلى
اختلاف النظرة إلى هذه الظاهرة ومسبباتها، فالبعض ينظر إليها على أنها خبرة محددة وأليمة
مثلها مثل غيرها من الضغوط النفسية كالقلق والاكتئاب، بينما ينظر إليها آخرون على أنها
استجابة لحاجات ومواقف عديدة ومتباينة فيرى جف Joev (1976) خمسة أنماط مختلفة الوحدة
النفسية وهى:
1- الوحدة النفسية للذات الداخلية loneliness of Inner self
2- الوحدة النفسية المادية Physical loneliness
3- الوحدة العاطفية Emotional loneliness
4- الوحدة الاجتماعية
Social loneliness
5- الوحدة الروحية Spirital loneliness (Jave, 1976, 14).
وقد ميز ويز Weiss بين نوعين من الوحدة النفسية، الأول ناتج عن الانعزال العاطفي، والثاني
ناتج عن العزلة الاجتماعية، والفرق شاسع بين النوعين كالتالي:
إذ يشير النوع الأول إلى إحساس الفرد بنقص مشاعر الود والحب والدفء مع الآخرين
في حين أن النوع الثاني ينتج من وجود افتقار وجدب في شبكة العلاقات الاجتماعية
المدعمة للشخص (فى: محمد حسن غانم، 2002، 48).
بينما يتبنى يونج Young (1979)
المنهج المعرفي في دراسته للوحدة النفسية، الذي ينظر إلى هذه الخبرة باعتبارها
مركبًا من ثلاثة أشكال هم:
(1) الوحدة النفسية المزمنة Chronic loneliness: وهى التي قد
تستمر لفترات طويلة، تصل إلى سنوات، ولا يشعر الفرد بأي نوع من أنواع الرضا فيما
يتعلق بعلاقاته الاجتماعية، ويعزى هذا الشكل من إشكال الوحدة النفسية إلى خصائص
الشخصية وسماتها.
(2) الوحدة النفسية العابرة Transient loneliness: وهى التي تتضمن فترات من الوحدة على الرغم من أن حياة
الفرد الاجتماعية تتسم بالتوافق وتشير إلى المزاج الوقت العارض قصير المدى في
الشعور بالوحدة النفسية.
(3) الوحدة النفسية الموقفية ( التحويلية ) Sttuational lonelmess وفيها يتمتع الفرد بعلاقات اجتماعية طيبة في الماضي
القريب، ولكنه يشعر بالوحدة النفسية حديثًا، نتيجة لبعض الظروف المستجدة كالطلاق
أو وفاة شخص مقرب إليه وتشمل أولئك الأفراد الذين كان لديهم علاقات مرضية كافيه ومشعبة
حتى صادفتهم أزمات معينة، أو تغيرات نمائية (Young, 1979, 1362).
الشعور بالوحدة النفسية يأخذ صورًا وأشكالاً متعددة منها:
(1) الوحدة النفسية الأولية: إن الوحدة النفسية الأولية سمة سائدة
في الشخصية أو أنها اضطراب في أحد سمات الشخصية، وهى ترتبط في الحالتين بالانسحاب الانفعالي
عن الآخرين، مما يؤدى إلى العجز عن تكوين علاقات مشبعة، ويدفع ببعض هؤلاء الأفراد إلى
الانخراط في علاقات مرضية أو مؤذية في محاولة للهرب من ذلك الإحساس المؤلم (إبراهيم
زكى فشقوش، 1983، 193).
والوحدة النفسية الأولية تعد خاصية إنسانية عامة
وشاملة، وهى خبرة نفسية مؤثرة يحس فيها الفرد بكونه منعزلاً وعلى حدة من نظم
المساندة المألوفة وآلياتها، مما يؤدى إلى الشعور بأن الاتصالات الاجتماعية مفقودة
أو مبتسرة وليست على المستوى المطلوب والمشبع عاطفيًا على المستويين الكمي والكيفي
(Bethrodgers, 1989, 16).
(2) الوحدة النفسية الثانوية: عادة ما يظهر الشعور بالوحدة النفسية الثانوية في حياة الفرد عقب حدوث
مواقف معينة في حياته فالطلاق أو الترمل أو تمزق أو تصدع علاقات الحب، وهناك ثلاثة
محكات على الأقل يمكن بواسطتها تمييز الشعور بالوحدة النفسية الثانوية عن الشعور
بالوحدة النفسية الأولية، الأول: حدوث تمزق مفاجئ في البيئة الاجتماعية للفرد بعد أن
كانت تربطه بالآخرين ذوى الأهمية بالنسبة له علاقات سليمة ومشبعة، وثانيها هو أن
هذا الشعور يحدث فجأة كاستجابة من جانب الفرد لحرمان مفاجئ يطرأ في حياته من آخرين
يعتبرهم ذوى أهمية بالنسبة له، أما ثالث هذه المحكات فهو يتلخص في أن الشعور بالوحدة
النفسية الثانوية يسكن أو يكمن عندما يتغير الموقف المؤلم الذي كان قد طرأ على
حياة الفرد أي أن الشعور بالوحدة النفسية الثانوية بمثل استجابة انفعالية من جانب
الفرد لتغيير ما حدث في بيئة وترتب عليه حرمان الفرد من الانخراط أو مواصلة
الانخراط في علاقات مهمة كانت متاحة لديه قبل حدوث هذا التغير (إبراهيم قشقوش،
1983،195).
(3) الوحدة النفسية الوجودية : يعتبر هذا الشكل من أشكال الوحدة النفسية حالة إنسانية طبيعية وحتمية يتعذر
الهروب منها، وأن بعض الأشخاص يكون لديهم استعدادات وراثية وتركيبية معينة غير
واضحة أو محددة إذا لم يتوفر لهم إجراءات توازن مضادة من خلال ظروف بيئة معززة أو
مشجعة فان هذه الاستعدادات يمكن أن تؤدى في النهاية إلى شعور الفرد بالوحدة
النفسية.
ويلخص إبراهيم قشقوش (1983) وجهة النظر الوجودية في تناول الوحدة
النفسية بقوله أن الإنسان يهلك وجوديًا إذا تخلى عن مسئوليته في أن يتخذ ما يراه أو
ما يعتقد بصحته من قرارات وخيارات، ويفقد الإنسان مع تخليه عن هذه المسئولية تفرده
أو تمايزه وأصالته، ويظهر موته أو هلاكه الوجودي في صورة حالة من الانفصال عن
جذوره Rootless واللاترابط
وعدم الانتماء. Disconnectedness، وعلى هذا النحو يعيش الإنسان من وجهة النظر الوجودية في صراع
متصل ومستمر ما بين حاجته إلى الانتماء وحاجته إلى تأسيس الهوية أو الكينونة، ومواصلة
الحفاظ عليها ويعيش الإنسان نتيجة لهذا الصراع وحيدًا بين أبناء جنسه، وفى توق
شديد إلى أن يستعيد ويسترد جذوره التي فقدها في وقت ما (إبراهيم قشقوش، 1983،
198).
ويرى الوجودين أن فهم الوحدة النفسية هو مفتاح البشرية لحياة أفضل وأعظم، إلا
أنها لن تكون حياة أسهل لان هذا الفهم سوف يكون عبئًا ثقيلاً على النفس، يوقظها من
الثبات ويحرمها من الرضا عن الذات ويعادى فيها كل ميل إلى الجمود أو اللامبالاة (Deanturner, 1960, 4).