النظريات المفسرة للسعادة |
النظريات المفسرة للسعادة:
لقد تعددت المناحي النظرية والسيكولوجية المفسرة
للشعور بالسعادة، وقد اختلفت هذه المداخل في تفسيرها لمفهوم السعادة، وفيما يلي
تناول مختصر لهذه المداخل.
1) المنظـور الشخصي
للسعـادة:
أسس لهذا النموذج كل من "كوستا وماكراي" (Costa, P., & MaCrae, R., 1980) حيث
ذهب إلى أن السعادة سمة ثابتة تعتمد أساساً على الشخصية؛ لذا يهتم هذا المنحنى
بمختلف سمات الشخصية وبصفة خاصة العوامل الخمسة الكبرى بوصفها محددات هامة للسعادة
والشعور الذاتي بالهناء والرضا عن الحياة؛ ولهذا تختلف درجة الشعور بالسعادة
باختلاف الأفراد، وأن لدى كل فرد إمكانية نظرية خاصة للشعور بالسعادة.
(أحمد عبد الخالق وآخرين، 2003)،(الطيب والبهاص،
2009)،(كارلسون وآخرين، 2000)
2) المنظور
الاجتماعي لتفسير السعادة:
اعتبر هذا المنحنى من المناحي المبكرة في تفسير
السعادة والذي تعامل معها بوصفها نتاجاً لبعض المتغيرات الاجتماعية المرتبطة
بالخصائص السكانية كـ (العمر، الجنس، والحالة الاجتماعية، ومتوسط الدخل، النوع)،
وهو ما يعرف بحركة المؤشرات الاجتماعية Social Indicator Movement في
بحوث السعادة؛ حيث اعتبرت السعادة نتاجاً لهذه المتغيرات إلا أن الدراسات الأحدث
قد ألقت الشكوك حول هذا المنظور المبكر حيث قد ظهر أن تأثير المتغيرات الاجتماعية
المرتبطة بالخصائص السكانية (الديموجرافية) جد قليل ولا يفي بالتفسير المناسب
.
"مروكوزيك
وكولايز" (Mrocozek, D., & Kolaiz, C.,
1998)، أحمد عبد الخالق
(2003)
3) المنظور البيئي
في تفسير السعادة:
أكد بعض أنصار المنظور البيئي لتفسير السعادة على
الأحداث الحياتية Life Events؛
ولهذا ركز أغلبهم على فحص الأحداث الأساسية المهمة في الحياة سواء أكانت إيجابية
أم سلبية؛ لتوضيح التغيرات الحادثة في الشعور بالسعادة، كما لاحظ أصحاب هذا
النموذج أن مستوى السعادة لدى بعض الناس يمكن أن يتغير ويتذبذب بدرجة أكبر عبر
فترات الزمن؛ ذلك لان خبرة السعادة تتأثر بأحداث الحياة وتقلباتها سواء أكانت جيدة
أم سيئة، وبخاصة تلك الأحداث الدرامية الخطيرة.
(Veenhoven, R., 1994, 101)
ولهذا أكد "هيلايجن"
(Heylighen, F., 1992) أن السعادة في صورتها
الحقيقية تعكس "قدرة الفرد على التحكم في المواقف البيئية المحيطة بالفرد من
أجل الوصول إلى تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته؛ ولهذا قسم "هيلايجين" قدرة
الفرد على التحكم في المواقف والظروف إلى ثلاثة مكونات رئيسية هي:
1- مكون القدرة
المادية.
2-
مكون القدرة المعرفية.
3- مكون الأداء
الذاتي.
4) المنظور
الفسيولوجي في تفسير السعادة:
ارتبطت البدايات الأولى لعلماء النفس في تفسير السعادة
بالتوجه الفسيولوجي؛ حيث أكد "فروم"
Fromm على أن السعادة ليست حالة ذاتية فحسب
ولكنها استجابة عضوية تظهر من خلال زيادة الحيوية والنشاط للجسم، والتمتع بالصحة،
والقدرة على بذل أقصى الجهد، وينسحب الأمر ذاته على الشعور بعدم السعادة إذا تتأثر
الاستجابة العضوية وتكشف عن ذاتها من خلال اضطرابات نفسجسمية، وهبوط في معدلات
الحيوية والطاقة والنشاط الجسمي إلى جانب المعاناة من الصراع، والكسل وتظل السعادة
من وجهة نظر "فروم" خداعاً ما لم تنبع من التفاعل الجسمي السليم الطاقة
أعضاء الجسم. (Dicapris. 1983)
5) المنظـور
الـوراثي للسعـادة:
هناك منحنى آخر للسعادة يرى أن لها أساساً وراثياً،
ومن ثم فهي ترقي إلى مستوى السمة في الشخصية التي تكون أشد استقراراً وأقل تغيراً
وأن لكل فرد إمكانية فطرية للسعادة، وأن 50% من مقومات السعادة موروث يتحكم في
وجودها بعض الجينات.
(Locan & Televan, 1996)
6) المنظور التكاملي
في تفسير السعادة:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه من أجل التفسير والتحليل
الدقيق للسعادة ينبغي ألا تنظر إليها من خلال المنظور الاجتماعي فقط أو البيئي فقط
أو المنظور الشخصي على حدة، وإنما يجب النظر إليها من خلال ما يسمى بالمدخل
المتكامل الذي يتضمن كل المداخل السابقة مكتملة في تحليل وتفسير السعادة أو من
خلال ما يسمى بالمنظور التعددي في النظر إلى السعادة.
(Brief, et al., 1993, 647)
هذا ويؤكد (كمال مرسي، 2000، 342) على المنظور
التكاملي في تفسير السعادة سواء أكانت حالة أو سمة؛ حيث يرى أن الاستعداد للسعادة
هو سمة في شخصية الإنسان أما السعادة ذاتها فهي حالة في موقف معين، هذه الحالة لا
تجتمع مع حالة الشقاء في شخص واحد وفي موقف واحد، وأن الشعور بالسعادة محصلة بين
الاستعداد للسعادة والمواقف التي يعيشها الفرد وطريقة تعامله معها وفق معرفته
وتقديره لها.
وعلى الرغم من تعدد المناحي والاتجاهات النظرية التي
راحت تؤسس لمفهوم السعادة إلا أنه يمكن التأكيد على المنحنى الشخصي للسعادة، والذي
يؤكد على دور الفرد وحكمه على الحياة التي يعيشها بأنها سعيدة أم بائسة من الأمور
التي يعتمد عليها؛ لأن الحكم الفرد على هذه الحياة يعد أمراً حاسماً وفاصلاً فيما
يتعلق بالشعور بالسعادة؛ حيث يفترض هذا المنظور أن السعادة سمة ثابتة تعتمد أساساً
على الشخصية وخصائصها وبخاصة العوامل الخمسة الكبرى في الشخصية، ويؤكد أن لدى كل
فرد إمكانية فطرية للسعادة ويرى أصحاب هذا التوجه أن السعادة تتحدد أساساً عن طريق
عوامل الشخصية.
(Diener, E., & Diener, C., 1996, 492)
ولهذا فإن السعادة بوصفها غاية يسعى كل إنسان من أجل
تحقيقها في مجال علاقاته الإنسانية التي يتشابك فيها واجب إسعاد الذات مع واجب
إسعاد الغير، غير أن السعادة الأصلية من منظور "راسل" هي التي تنبع من
فكرة التضحية بالذات أو الإحساس بالواجب؛ لأن الناس يرغبون في أن يكونوا محبوبين
وليسوا مقبولين على مضفى.
هذا ويطرح النقاش حول علاقة الواجب بالسعادة جملة من
الرهانات أبرزها البحث عن إمكانية إسعاد الغير دون التضحية بالذات وإفقادها
الإقبال على الحياة والاستمتاع بها، أنه رهن تحقيق توازن بين الحفاظ على الطموحات
أي طموحات الذات واستقلالها، وفي نفس الوقت تجسيد قيمة الغيرية، فقد تحول الحياة
بيننا وبين السعادة لكن من الواجب على الإنسان أن يقاوم ويبذل كل ما يمتلك من أجل
أن يكون سعيداً، فالسعادة واجب نحو الذات وواجب نحو الغير؛ ولهذا ترتبط سعادة
الأنا بسعادة الغير، وبإسعاد ذاتي أكون قد ساهمت في إسعاد الغير.
ذلك لأن السعادة ليست معطى جاهزاً بل يجب النضال من
أجلها بوصفها هدفاً حياتياً دافعاً وحافزاً للذات من أجل الحصول عليه وأن تكاسل
الفرد وجموده ورفضه في الوصول إلى هذا الهدف هو السبب وراء كل عذابات الإنسان وسبب
أساسي لنشأة مآسيه؛ ولهذا فإن السعادة الأصلية هي تلك السعادة النابعة من الذات
بصورة تلقائية تجاه الغير دون أن تكون نابعة من الإكراه الذي يفرضه الاحساس
بالواجب، وبذلك تصبح السعادة ليست سوى إعفاءً لنا من بعض العذابات.