5
علاجات القلق نفسياً:-
القلق ظاهرة لا تقتصر على المرضى النفسيين فقط ، بل هو عام في شرائح المجتمع جميعا ، لا يفرق بين دولة غربية وأخرى شرقية ، يصيب الغني كما يصيب الفقير ، ويحل بالكبير كما يحل بالصغير ، وينتقل إلى القوي كما ينتقل إلى الضعيف ، يصول ويجول بين الرجال والنساء ، والصغار والكبار ، والمتعلمين وغير المتعلمين ، إنها الظاهرة الفريدة والآفة العصرية التي ليست من مقامات الدين ، ولا من منازل السائرين والمتفائلين ، بل هي أقرب إلى مكائد الشيطان ووساوسه . وهناك أساليب مختلفة ومتعددة للسيطرة على القلق الذي تعاني منه النفس وإن كانت هذه الأساليب في مجموعها ليست أساليب سوية مألوفة صحيحة، بل إن البعض منها ملتوٍ غير سليم من وجهة نظر الصحة النفسية. ويمكن أن نضعها تحت تعريف محدد وهو "الحيل الدفاعية" والتي تكون عن أحد طريقين:
أ) انكسار الدوافع أو الذكريات، وذلك مثلما يحدث في حالات فقدان الذاكرة التي يمكن شفاؤها.
ب) مسخ هذه الدوافع أو الذكريات وتشويهها وذلك مثلما يحدث في التبرير والإسقاط ويمكن أن نستعرض عدداً من هذه "الحيل الدفاعية":
1- التبرير: التبرير ليس معناه أن تكون كل تصرفاتنا معقولة، ولكن معناه أن نبرر سلوكنا حتى يبدو في نظرنا معقولاً، وهو يعد حيلة دفاعية لأنه يمكّن الفرد من تجنب الاعتراف بما يدفعه إلى سلوكه غير المعقول، الناتج عن دوافع غير مقبولة. والتبرير يختلف عن الكذب تمام الاختلاف، إذ أن التبرير هو عملية لا شعورية يقنع فيها الفرد نفسه بأن سلوكه لم يخرج عما ارتضاه لنفسه عن قيم ومعايير، في حين أن الكذب عملية تزييف شعورية إرادية، غايتها تشويه الفرد لوجه الحقيقة، وهو على علم بما يفعل، وبأن ما يصوره للناس ويحاول إقناعهم به ليس صحيحا بل هو مجرد محض خيال.
2- الإسقاط: يمكن تعريفه بأنه هو: " أن تنسب ما في نفسك من صفات غير معقولة إلى غيرك من الناس، بعد أن تجسمها وتضاعف من شأنها، وبذلك تبدو التصرفات كلها منطقية معقولة، ومثال ذلك أن يلجأ الطالب إلى أن يقنع نفسه بأن كل ما عداه من الطلاب يغشون في الامتحانات، وذلك حتى لا يبدو غشه في نظره نقيصة من النقائص، أو رذيلة يتفرد بها، وإنما يصبح غشه مجاراة منه لسائر زملائه، ومسايرة منه لهم.
ومن هنا يتبين أن " الإسقاط" نوع من "التبرير" وأنه كثير الشيوع في تصرفات جميع الناس.
3- التقمص: التقمص يشبه التقليد في الغالب، وأن كان يختلف عنه في بعض النواحي ففي التقليد يتخذ المرء من سلوك غيره نموذجاً ومثالاً يحتذ به، فالطفل يلذّ له أن يقلد والده، ويرتدي ملابس الكبار، ويميل إلى أن ينهج نهجهم في تصرفاتهم، بيد أن المرء لا يتقمص أفعال وحركات وتصرفات الفرد الذي يقلده إلا إذا كان يكنّ له الحب في قلبه ووصلت درجة الإعجاب به إلى حدّ التشبع. والتقمص الحق لا يقتصر على التقليد فحسب بل يتضمن شعور الفرد بأنه أصبح في الخيال والوهم الشخصية المتقمصة ذاتها، فيحس بنجاحه وفشله، وفرحه وحزنه، والتقمص والتقليد لازمان من أجل نمو شخصية الفرد، إذ لابد للطفل من أن يتعلم القيام بدور "ما" في الحياة، وهو لا يستطيع أن يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضوج إلا بأن يتخذ لنفسه نموذجاً صالحاً يحتذ به ونموذج الطفل والده ونموذج الطفلة والدتها ولا يكفي في ذلك عملية التقليد البحتة بل لابد من عملية الامتصاص.
4- الكبت: الكبت هو الوسيلة التي يتقي بها الإنسان إدراك توازنه ودوافعه التي يفضل إنكارها، وهو يتميز عن قمع الإنسان لنوازعه، فالكبت نوع من تهذيب الذات للذات، في حين أن القمع هو خضوع النفس لنواهي المجتمع وتصرفاته. والكبت الكامل يؤدي إلى النسيان، واختفاء الدوافع غير المقبولة اختفاءً تاماً كاملاً عن وعي الفرد وإدراكه، بيد أن الكبت لا يكون تاماً وكاملاً في معظم الأحيان، ولذلك تلتمس الدوافع والنوازع وسائل أخري غير مباشرة تعبر بها عن نفسها.
5- الإبدال: الإبدال هو أفضل "الحيل الدفاعية" على الإطلاق في حلّ المشكلات، وإنقاص حدّة التوتر، دون أن يترتب على ذلك اطلاع الناس أو الفرد على ما لديه من دوافع غير مقبولة أو نزعات يحرمها المجتمع، وعن طريق الإبدال يعمل الفرد من أجل أهداف صالحة تختلف كل الاختلاف عن الأهداف الأصلية غير المقبولة، ويحاول أموراً ينتظر له فيها من النجاح ما لا ينتظر له في غيرها. (عبد المتجلي، الغامدي، 1986م).
6- معرفة السبب وراء القلق وتناول هذا السبب بموضوعية . والوصول إلى السبب أو الأسباب " التي قد تعود إلى مرحلة الطفولة " يتم عن طريق الاستقراء الذاتي أو التأمل أو التحليل النفسي أو العلاج الجماعي .
7- الاسترخاء .
8- العلاج الطبي بالأدوية المهدئة . ( السباعي ،1986م)
تهدف Lumpkin " 1999م " إلى دراسة مدى فاعلية علاج سلوكي معرفي جمعي " GCBT " في التعامل مع أنواع غير متجانسة من اضطرابات القلق لدى عينة من الأطفال والمراهقين قوامها 12 طفلاً و 12 مراهقاً ، تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 17 سنة ، شخصت أنواع قلق المجموعتين وفقاً لمعايير الدليل التشخيصي و الإحصائي " DSMVI " ، حيث قسمت أنواع القلق إلى اضطراب العصاب القهري ، المخاوف البسيطة ، اضطراب قلق الانفصال ، الرهاب الاجتماعي ، اضطراب القلق العام ، وقسمت المجموعتين إلى ثمان مجموعات ، كل مجموعة تحتوي على 3 أطفال أو مراهقين ، وطُبق عليهم العلاج السلوكي المعرفي ، وأسفرت النتائج بعد فترة تتراوح ما بين 6 شهور إلى سنة إلى القليل من حدّة الأعراض المرضية لدى الأنواع المتباينة من القلق ، وقد أظهرت النتيجة المحورية للبحث مدى فاعلية العلاج السلوكي المعرفي في علاج اضطراب القلق . ( Lumpkin , 1999 )