أخر الاخبار

المرض العقلي والثقافة:




المرض العقلي والثقافة:
معرفة الثقافات الأخرى وتصوراتُها للمرض العقلي والتكفل به لا تجيب فقط  عن صعوبات اللقاء بين المعالج المختص و المعالج التقليدي " الشعبي " ،بل تُجيب  على تطلّب علمي يفترض أن نظرية ما لوحظ لها أن تكون "صحيحة" إلا إذا تم تطبيقها في أوساط وحقول متعددة ،حيث في " الطب العقلي العرقي " نجد هناك تمييز غير كافي بين المجتمعات الغربية والمجتمعات البدائية ، لكن الأهم وراء هذا التمييز هو طرح سؤال العلاقات بين المرض والثقافة على مستوى جذري أكثر وهذا مايعرف " بأنثروبولوجيا الإختلاف " .
في هذا السياق ندرج مثال:
(حالة)
فاطمة من القبائل الكبرى ، على المستوى الدقيق لعلاقتها ب المبصر المعالج ،التي تندرج فيها تطور إضطرابات نفسومرضية، وتجدر الإشارة إلى أن المبصر المعالج متعدد الوظائف فهو ليس مجرد معالج لأن مركزه ينهل من كل سجلات حياة المجموعة في المجتمع القبائلي (مرض،عدالة،دين،أخلاق....) .
تعيش فاطمة علاقة "جوار" على شكل حوار هذياني تحسها شديدة القرب والضيق وتقصد المعالج المبصر ليس من أجل طلب العلاج ، ولكن لتشتكي من جارتها.
كما يفترض أن زياراتها لاتعمل إلا على تقوية هذيانها لأن المبصر المعالج يقدم نفسه هو بدوره على أنه ضحية لما يضطهدها.
أنظري أنا أيضا يضربونني قال لها هذا في نفس الوقت الذي كانت تسمع فيه الصوت يقول لها أنظري نضربه هو أيضا إن كان يستطيع أن يدافع عنك ضدنا، فليبدأ بالدفاع عن نفسه.
بالرغم من العجز الظاهر للمبصر المعالج تستمر فاطمة في إستشارته ،أي سبب آخر بخلاف السبب العلاجي يمكن أن يشرح زياراتها الملحة والمستمرة لمبصر معالج يبوح لها بوضوح ضعفه أمام مايضطربها.
إعتراف المبصر المعالج ليس علامة على فشل الممارسة بالعكس تماماً ،إنه مايضفي عليها الطابع الإيجابي يعني الوجود الفعلي لعلاقة يتوضح من خلالها تواصل (يشتكي ويقدم نفسه بدوره على أنه ضحية لهؤلاء الذين يزعجون مريضته)بمعنى يصادق المبصر المعالج على هذيانها .
المصادقة على الهذيان والهلاوس السمعية هي مفتاح كل الممارسة التي يقوم بها المعالج ، والتي تحدد بشكل قاطع التطور الذي عرفته الإضطرابات النفسومرضية لدى فاطمة .
تضاعف فاطمة زياراتها لأنها تجد لدى معالجها صاحب السلطة ومستودع ثقافتها إعترافا بذهانها وتعبيراتها الذهانية فتحتفظ بهذا بإمكانية علائقية ، يعني تستطيع أن تكون ذهانية دون أن تكون "مجنونة" غريبة عن الآخرين ومنغلقة في جنونها .
ومن هذا المنطلق يبدو الهذيان طريقة من بين طرق عدة لوضع علاقة تواصل ، وهذا مايبدو متناقضاً مع نظرة الطب العقلي الغربي الذي يرى في الهذيان علامة على فقدان الشعور بالواقع.


اعداد: رنده قرنة

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-